قصيدة من قتل مدرس التاريخ للشاعر نزار قباني

نزار قباني

من أين يأتينا الفرح ؟
و لوننا المفضل السواد
نفوسنا سواد
عقولنا سواد
داخلنا سواد
حتى البياض عندنا
يميل إلى السواد ...

من أين يأتينا الفرح ؟
و كل ما يحدث في حياتنا
مسلسل استبداد
الوطن استبداد
و الهجرة استبداد
و الصحف الرسمية استبداد
و الشرطة السرية استبداد
و الزوجة استبداد
و عشقنا لمرأة جميلة جدا
هو استبداد ! !

من أين يأتينا الفرح ؟
و كل طفل عندنا تجري على ثيابه
دماء كربلء ..
و الفكرفي بلدنا
أرخص من حذاء ...
و غاية الدنيا لدينا :
الجنس ... و النساء ! !

من أين يأتينا الفرح ؟
و نحن من يوم تخاصمنا
على النسوان في غرناطة ..
تفككت أمتنا ..
و هرهرت دولتنا
و طارت بلدنا ! !

الشجر الطول في بلدي
شجر الحفاد ! !ّ ..

يدهشني
بأن كل وردة في وطني
تلبس في زفافها
ملبس الحداد ..

ليس لدينا أمة خالدة
أو دولة واحدة
و إنما أفراد ...

هل هذه جرائد تقرؤها ؟
أم أنها جنازة
و دعوة للحزن و الحداد

نصوصنا منقولة
أصواتنا ..
تخرج من حناجر الجداد ..

أكره ..
و أكره النوم كمجدوب
على دراع شهرزاد ...

من أين يأتينا الفرح ؟
أطفالنا ما شاهدوا في عمرهم
قوس قزح ...

من أين يأتينا الفرح ؟
و نحن من يوم خرجنا من فلسطين
و من ذاكرة الليمون ، و الخوخ ،
تحولنا إلى رماد ...

و نحن من يوم تركنا بحر بيروت
تركنا خلفنا
أثداء أمهاتنا
وورد ذكرياتنا
وبيت حرياتنا
كما تركنا خلفنا ،
شهادة الميلد ...

لقد أكلنا بعضنا بعضا
فهل تعذرنا السماك و الجراد ؟ ...

حتى ثياب ال في بلدنا
تباع بالمزاد ! ! ...

من أين يأتينا الفرح ؟
ما طار طير عندنا إل انذبح ..
و ل نبي جاءنا
إل بأيدينا انذبح ..
و ل أتانا مصلح .. أو مبدع ..
أو كاتب .. أو شاعر ..
إل على وسادة الشعر .. انذبح !!

محرم في وطني
تنقل الهواء ..
محرم تنقل الكحلة
في أعين النساء ..
محرم تنقل القيدة ..
محرم .. محرم ..
تنقل الفعال .. و السماء

يرتعب الحكام
في العلم الثالث ، من صوت العصافير
و من ضوع الازاهير
و من زرقة الحمام ..
و يدخلون البحر للسجن إذا أسرف في الكلم
صعب على الحكام في عالمنا الثالث
أن يصالحوا الفكر ..
و أن يصادقوا القلم ..
هل يستطيع الذئب أن يصادق الغنام ؟؟

في سالف الزمان .. كنا
أمراء الشعر ، و البيان ، و البديع ، و الخطابة
و أصبحت مهمتنا الن ..
بأن نفترس الكتابة !!

أول قصر من قصور العلم و الثقافة
أسسه الخليفة المأمون
و جاء حكام إلى بلدنا ، من بعده
تخصصوا في مهنة القتل ..
و في هندسة السجون !!

في زمن الطفولة
قرأت آلف القاصيص
عن النخوة .. و النجدة .. و العزة
و الباء .. و الفداء .. و السخاء .. و الشجاعة
ثم اكتشفت عندما دخلت في الكهولة
بأن نصف ما قرأته في حصة التاريخ ،
ما كان سوى إشاعة

وااااااااو شعر حلو